فصل: موعظة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.موعظة:

لله در أقوام تركوا الدُّنْيَا فأصابوا، وسمعوا منادي الله فأجابوا، وحضروا مشاهد التقى فما غابوا، واعتذروا مَعَ التحقيق ثُمَّ تابوا وأنابوا، وقصدوا باب مولاهم فما ردوا ولا خابوا.
قَالَ عمرو بن ذر: لما رأى العابدون الليل قَدْ هجم عَلَيْهمْ، ونظروا إِلَى أَهْل الغَفْلَة قَدْ سكنوا إِلَى فرشهم ورجعوا إِلَى ملاذهم.
قاموا إِلَى الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى فرحين مستبشرين بما قَدْ وهب الله لَهُمْ من السهر وطول التهجد.
فاستقبلوا الليل بأبدانهم، وباشروا ظلمته بصفاح وجوههم، فانقضى عنهم الليل، وما انقضت لذتهم من التلاوة، ولا مَلَّتْ أبدانهم من طول العبادة، فأصبح الفريقان وقَدْ ولى الليل بربح وغبن.
فاعملوا فِي هَذَا الليل وسواده، فَإِنَّ المغبون من غبن الدُّنْيَا والآخِرَة، وكم من قائم لله تَعَالَى فِي هَذَا الليل قَدْ اغتبط بقيامه فِي ظلمة حفرته.
اللَّهُمَّ إِنَّكَ تعلم سرنا وعلانيتنا وتسمَعَ كلامنا وتَرَى مكاننا لا يخفى عَلَيْكَ شَيْء من أمرنا نَحْنُ البؤساء الفقراء إليك المستغيثون المستجيرون بك نسألك أن تقيض لدينك من ينصره ويزيل ما حدث من البدع والمنكرات ويقيم على الجهاد ويقمَعَ أَهْل الزيغ والكفر والعناد ونسألك أن تغفر لَنَا ولوالدينا وَجَمِيع الْمُسْلِمِين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وصلى الله على مُحَمَّد وعلى آله.

.فصل في ذكر دار السعداء في الآخرة:

ويقابل دار الأشقياء التي تقدمت قريبًا دار أخرى دار قرار ونعيم وسرور وحبور وأمن وصحة وحياة أبدية فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين مِمَّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
دار جعلها الكريم جَلَّ وَعَلا دار ضيافة يكرم فيها عباده الأخيار الَّذِينَ وفقهم لخدمته والْعَمَل بطاعته.
ولا تظن هَذِهِ الضيافة محدودة، ولا أن الكرامة فيها تنتهي بل كُلّ ما تحبه وتتمناه أمامك إن كنت من أَهْل العفو والتجاوز فتوهم إن تفضل الله عَلَيْكَ بالعفو والتجاوز... أي تصور ممرك على الصراط.
ونورك يسعى بين يديك وعن يمينك، وكتابك بيمينك مبيض الوجه.
قَالَ الله جَلَّ وَعَلا: «يوم تبيض وجوه وتسود وجوه»، وقَدْ أيقنت برضاه عَنْكَ وأَنْتَ على الصراط مَعَ زمرة العابدين ووفود المتقين.
والملائكة تنادى: سلم سلم، والوجل مَعَ ذَلِكَ لا يفارق قلبك ولا قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ، تنادي وينادون: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، فتدبر حين رأوا المنافقين طفئ نورهم، وهاج الوجل فِي قُلُوبهمْ، فدعوا بتمام النور والمغفرة.
فتوهم أي تصور وتخيل وتمثل نفسك، وأَنْتَ تمر خفيفًا مَعَ الوجل وتصور ممرك عَلَى قَدْرِ خفة أوزارك وثقلها وقَدْ انتهيت إِلَى آخره. فغلب على قلبك النجاة، وقَدْ عاينت نعيم الجنان وأَنْتَ على الصراط، فحن قلبك على جوار الله عَزَّ وَجَلَّ، واشتاق إِلَى رضا الله، حَتَّى إِذَا صرت إِلَى آخر خطوات بأحد رجليك إِلَى العرصة أي عرصة القيامة التي بين آخر الجسر وبين باب الْجَنَّة، فوضعتها على العرصة التي بعد الصراط، وبقيت القدم الأُخْرَى على الصراط، والخوف والرجَاءَ قَدْ اعتليا فِي قلبك وغلبا عَلَيْكَ.
ثُمَّ ثنيت بالأخرى، فجزت الصراط كله واستقرت قدماك على تلك العرصة، وزلت عَنْ الجسر ببدنك، وخلفته وراء ظهرك، وجهنم تضطرب من تحت من يمر عَلَيْهَا، وتثب على من زل عَنْهُ مغتاظة تزفر عَلَيْهِ وتشهق إليه.
ثُمَّ التفت إِلَى الجسر فنظرت إليه باضطرابه، ونظرت إِلَى الخلائق من فوقه، وإلى جهنم من تحته تثب وتزفر على الَّذِينَ زلزلوا عَنْ الصراط، لها فِي رؤوسهم وأنحائهم قصيف، فطار قلبك فرحًا إذ نجوت بضعفك من النار وخافت النار وجسرها من وراء ظهرك، متوجها إِلَى جوار ربك.
ثُمَّ خطوت أمنا إِلَى باب الْجَنَّة امتلأ قلبك سرورًا وفرحًا، فلا تزال فِي ممرك بالفرح والسرور حَتَّى توافي أبوابها، فإذا وافيت بابها استقبلك بحُسْنِهِ، فنظرت إِلَى حسنه ونوره وحسن صورة الْجَنَّة وجدرانها، وقلبك مستطير فرح مسرور متعلق بدخول الْجَنَّة حين وافيت بابها أَنْتَ وأَوْلِيَاء الرحمن.
فتوهم أي تخيل وتصور نفسك فِي ذَلِكَ الموكب، وهم أَهْل كرامة الله ورضوانه، مبيضة وجوههم، مشرقة برضا الله، مسرورون فرحون مستبشرون، وقَدْ وافيت باب الْجَنَّة بغبار قبرك، وحر المقام ووهج ما مر بك.
فنظرت إِلَى العين التي أعدها الله لأوليائه وإلى حسن مائها، فانغمست فيها مسرورًا، لما وجدت من برد مائها وطيبة، فوجدت لَهُ بردًا وطيبًا فذهب عَنْكَ بحزن المقام، وطهرك من كُلّ دنس وغبار، وأَنْتَ مسرور لما وجدت من طيب مائها لما باشرته، وقَدْ أفلتَّ من وهج الصراط وحره، لأنه قَدْ يوافي بابها من أحرقت النار بَعْض جسده بلفحها وقَدْ بلغت منه.
فما ظنك وقَدْ انفلت من حر المقام ووهج أنفاس الخلائق، ومن شدة توهج حر الصراط فوافيت باب الْجَنَّة بذَلِكَ، فَلَمَّا نظرت إِلَى العين قذفت بنفسك فيها، فتوهم أي تصور وتخيل فرحة فؤادك لما باشر برد مائها بدنك بعد حر الصراط، ووهج القيامة، وأَنْتَ فرح لمعرفتك إِنَّكَ إنما تغتسل لتتطهر لدخول الْجَنَّة والخلود فيها.
فأَنْتَ تغتسل مَنْهَا دائبًا، ولونك متغير حسنًا، وجسدك يزداد نضرة وبهجة ونعيمًا، ثُمَّ تخَرَجَ مَنْهَا فِي أحسن الصور وأتم النور.
اللهم ثَبِّتْ محبتك فِي قلوبنا وقوها، اللَّهُمَّ ألهمنا ذكرك وشكرك وارزقنا محبة أوليائك وبغض أعدائك وهجرانهم والابتعاد عنهم واغفر لَنَا، اللَّهُمَّ إِنَّكَ تعلم سرنا وعلانيتنا وتسمَعَ كلامنا وتَرَى مكاننا لا يخفى عَلَيْكَ شَيْء من أمرنا نَحْنُ البؤساء إليك المستغيثون المستجيرون بك نسألك أن تقيض لدينك من ينصره ويزيل ما حدث من البدع والمنكرات وتقيم علم الجهاد وتقمَعَ أَهْل الزيغ والكفر والعناد ونسألك أن تغفر لَنَا ولوالدينا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل: فتوهم أي تصور وتخيل فرح قلبك حين خرجت مَنْهَا فنظرت إِلَى كمال جمالك، ونضارة وجهك وحسنه، وأَنْتَ عَالِم موقن بأنك تتنظف للدخول إِلَى جوار ربك، ثُمَّ تقصد إِلَى العين الأُخْرَى، فتتناول من بَعْض آنيتها، فتوهم نظرك إِلَى حسن الإناء وإلى حسن الشراب، وأَنْتَ مسرور بمعرفتك إِنَّكَ إنما تشرب هَذَا الشراب لتطهر جوفك من كُلّ غل وجسدك ناعم أبدًا.
حَتَّى إِذَا وضعت الإناء على فيك ثُمَّ شربته، وجدت طعم شراب لم تذق مثله ولم تعود شربه، فيسلس من فيك إِلَى جوفك، فطار قلبك سرورا لما وجدت من لذته، ثُمَّ نقى جوفك من كُلّ آفة، فوجدت لذة طهارة صدرك من كُلّ طبع كَانَ فيه ينازعه إِلَى الغموم والهموم والحرص والشدة والْغَضَب والغل فيا برد طهارة صدرك، ويا روح ذَلِكَ على فؤادك.
حَتَّى إِذَا استكملت طهارة الْقَلْب والبدن، واستكمل أحباء الله ذَلِكَ معك، والله مطلع يراك ويراهم، أمر مولاك الجواد المتحنن خزان الْجَنَّة من الملائكة الَّذِينَ لم يزالوا مطيعين خائفين منه مشفقين وجلين من عقابه إعظاما لَهُ وإجلالاً، وهيبة لَهُ، وحذرًا من نقمة، وأمرهم أن يفتحوا باب جنته لأوليائه، فانحدروا من دارها، وبادروا من ساحتها، وأتوا باب الْجَنَّة فمدوا أيديهم ليفتحوا أبوابها.
وأيقنت بذَلِكَ، فطار قلبك سرورًا، وامتلأت فرحًا، وسمعت حسن صرير أبوابها، فعلاك السرور، وغلب على فؤادك، فيا سرور قُلُوب المفتوح لَهُمْ باب جنة رب العالمين.
فَلَمَّا فتح لَهُمْ بابها، هاج نسيم طيب الجنان، وطيب جرى مائها، فنفح وجهك، وَجَمِيع بدنك، وثارت أراييج الْجَنَّة العبقة الطيبة، وهاج ريح مسكنها الاذفر، وزعفرانها المونع، وكافورها الأصفر، وعنبرها الأشهب، وارياح طيب ثمارها وأشجارها، وما فيها من نسيمها.
فتدخلت تلك الارييح فِي مشامك حَتَّى وصلت إِلَى دماغك، وصار طيبها فِي قلبك، وفاض مِنْ جَمِيعِ جوارحك، ونظرت بعينيك إِلَى حسن قصورها، وتأسيس بنيانها من طرائق الجندل الأخضر من الزمرد والياقوت الأحمر، والدر الأَبْيَض، قَدْ سطع منه نوره وبهاؤه وصفاؤه.
فقَدْ أكمله الله فِي الصفاء والنور، ومازجة نور ما فِي الجنان، ونظرت إِلَى حجب الله، وفرح فؤادك لمعرفتك إِنَّكَ إِذَا دخلتها فَإِنَّ لَكَ فيها الزيادات، والنظر إِلَى وجه ربك، فاجتمَعَ طيب أراييح الْجَنَّة وحسن بهجة منظرها وطيب نسيمها، وبرد جوها.
فتصور نفسك أن تفضل الله عَلَيْكَ بهذه الهيئة، فلو مت فرحًا لكَانَ ذَلِكَ يحق لَكَ، حَتَّى إِذَا فتحوا بابها، أقبلوا عيك ضاحكين فِي وجهك ووجوه أولياء الله معك، ونادوَكَمْ: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} فتوهم حسن نغماتهم، وطيب كلامهم، وحسن تسليمهم، فِي كمال صورهم، وشدة نورهم.
ثُمَّ اتبعوا السَّلام بقولهم: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}، فاثنوا عَلَيْهمْ بالطيب والتهذيب من كُلّ دنس، ودرن وغل وغش، وكل آفة فِي دين أَوْ دنيا، ثُمَّ أذنوا لَهُمْ على الله بالدخول فِي جواره، ثُمَّ أخبروهم أنهم باقون فيها أبدًا، فَقَالُوا: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}، فَلَمَّا سمعت الأذن وأَوْلِيَاء الله معك ن بادرتم الْبَاب بالدخول، فكضت الأبواب من الزحام.
فتصور نفسك أن الله عفا عَنْكَ فِي تلك الزحمة مبادرًا مَعَ مبادرين، مسرورا مَعَ مسرورين، بأبدان قَدْ طهرت، ووجوه قَدْ أشرقت وأنارت فهي كالبدر، قَدْ سطع من أعراضهم كشعاع الشمس.
فَلَمَّا جاوزت بابها، وضعت قدميك على تربتها، وهي مسك اذفره، ونبت الزعفران المونع، والمسك مصبوب على أرض من فضة، والزعفران نابت حولها، فَذَلِكَ أول خطوة خطوتها فِي أرض البقاء بالأمن من الْعَذَاب والموت، فأَنْتَ تتخطى فِي تراب المسك، ورياض الزعفران، وعيناك ترمقان حسن بهجة الدر، من حسن أشجارها، وزينة تصويرها.
فبينما أَنْتَ تتخطى فِي عرصات الجنان، فِي رياض الزعفران، وكثبان المسك، إذ نودي فِي أزواجك وولدانك وخدامك وغلمانك وقهارمتك، أن فلانَا قَدْ أقبل، فأجابوا، واستبشروا لقدومك، كما يبشر أَهْل الغائب فِي الدُّنْيَا بقدومه.
ثناء على الله وتضرع إليه جل جلاله
إِلَهِي وَخلاقي وَحِرْزِي وَمَوْئِلِي ** إِلَيْكَ لِدَى الإِعْسَارِ وَالْيُسْرِ أَفْرَعُ

إِلَهْيِ لَئِنْ ابْعَدْتَنِي أَوْ طَرَدْتَنِي ** فَمَنْ ذَا الَّذِي أَرْجُوا وَمَنْ أَتَشَفَّعُ

إِلَهِي لَئِنْ جَلَتَ وَجَمَعْتَ خَطِيئَتِي ** فَعَفْوُكَ عَنْ ذَنْبِي أَجَلُّ وَأَوْسَعُ

إِلَهِي لَئِنْ أَعْطيتَ نَفْسِي سُؤَالَهَا ** فَهَا أَنَا فِي رَوْضَ النَّدَامَةِ ارْتَعُ

إِلَهِي فَلا تَقْطَعْ رَجَائِي وَلا تَزْغ ** فُؤَادِي فإني خَائٍفٌ مُتَضَرِّعُ

إِلَهِي فَأَنِسْنِي بِتَلْقِينِ حُجْتَي ** إِذَا كَانَ لي فِي الْقَبْرِ مَثْوَى وَمَضْجَعُ

إِلَهْيِ أَذِقْنِى بَرْدَ عَفْوِكَ يَوْمَََ لا ** بَنُونَ وَلا مَالَ هُنَالِكَ خضعُ

وَلا تَحْرِمْنِي مِنْ شَفَاعَةِ أَحْمَدٍ ** وَصَحْبة أَخْيَارِ هُنَالِكَ خُضَّعُ

وَصَلِّ عَلَيْهِ مَا دَعَاكَ مُوَحَّدٍ ** وَنَاجَاكَ أَقْوَامٌ بِبِاكٍ خُشْعُ

فَصْل:
فبينما أَنْتَ تنظر إِلَى قصورك، إذ سمعت جلبتهم وتبشيشهم فاستطرت لِذَلِكَ فرحًا، فينما أَنْتَ فرح ومسرور بغبطتهم لقدومك لما سمعت إجلابهم فرحًا بك، إذ ابتدرت القهارمة إليك، وقامت الولدان صفوفًا لقدومك، فينما أتت القهارمة مقبلة إليك، ذا استخف أزواجك للعجلة، فبعثت كُلّ واحدة منهن بَعْض خدامها لينظر إليك مقبلاً، ويسرع بالرجوع إليها يخبرها بقدومك، لتطمئن إليه فرحًا، وتسكن إِلَى ذَلِكَ سرورًا، فنظر إليك الخدم قبل أن تلقاك قهارمتك.
ثُمَّ بادر رسول كُلّ واحدة منهن إليها فَلَمَّا أخبرها بقدومك، قَالَتْ: كُلّ واحدة لرسولها: أَنْتَ رأيته. من شدة فرحها بذَلِكَ، ثُمَّ أرسلت كُلّ واحدة منهن رسولاً آخر، فَلَمَّا جاءت البشارات بقدومك إليهن، لم يتمالكن فرحًا، فأردن الْخُرُوج إليك مبادرات إِلَى لقائِك لولا أن الله كتب القصر لهن فِي الخيام، إِلَى قدومك، كما قَالَ مليكك: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}.
فوضعن أيديهن على عضائد أبوابهن، وأذرعهن برؤوسهن، ينظرون متى تبدو لهن صفحة وجهك، فيسكن طول حنينهن، وشدة شوقهن إليك، وينظرون إِلَى قرير أعينهن، ومعدن راحتهن، وأنسهن إِلَى ولي ربهن وحبيب مولاهن.
فتوهم ما عاينت، حين فتحت أبواب قصورك، ورفعت ستوره، من حسن بهجة مقاصيره، وزينة أشجاره، وحسن رياضه، وتلألؤ صحنه، ونور ساحاته.
فبينما أَنْتَ تنظر إِلَى ذَلِكَ، إذ بادرت البشرى من خدامك ينادون أزواجك هَذَا فلان بن فلان قَدْ دخل من باب قصره، فَلَمَّا سمعن نداء البُشْرَاء بقدومك ودخولك، توثبن من الفرش على الأسرة فِي الحجال.
وعينك ناظرة إليهن فِي جوف الخيام والقباب، فنظرت إِلَى وثوبهن مستعجلات، وقَدْ استخفهن الفرح، والشوق إِلَى رؤيتك.
فتخيل تلك الأبدان الرخيمة الرعبوبة الخريدة الناعمة، يتوثبن بالتهادي والتبختر.
فتصور كُلّ واحدة منهن حين وثَبَتْ فِي حسن حللها وحليتها بصحابة وجهها، وتثنِّي بدنها بنعمته.
فتوهم انحدارها مسرعة بكمال بدنها، نازلة عَنْ سريرها إِلَى صحن قبتها وقرار خيمتها، فوثبن حَتَّى أتين أبواب خيامهن وقبابهن.
ثُمَّ أخذن بأيديهن عضائد أبواب خيامهن للقصر، الَّذِي ضرب عليهن إِلَى قدومك، فقمن آخذات بَعْضائد أبوابهن.
ثُمَّ خرجن برؤوسهن ووجوههن، ينحدرن من أبواب قبابهن، متطلعات، ينظرن إليك، مقبلات قَدْ ملئن منك فرحًا وَسُرُورًا.
وتخيل نفسك بسرور قلبك وفرحه، وقَدْ رمقتهن على حسن وجوههن، وغنج أعينهن.
فَلَمَّا قابلت وجوههن حار طرفك، وهاج قلبك بالسرور، فبقيت كالمبهوت الذاهل من عظيم ما هاج فِي قلبك من سرور ما رأت عيناك وسكنت إليه نفسك.
فينما أَنْتَ ترفل إليهن إذ دنوت من أبواب الخيام، فأسرعن مبادرات قَدْ استخفهن العشق، مسرعات يتثنين من نعيم الأبدان، ويتهادين من كمال الأجسام.
ثُمَّ نادتك كُلّ واحدة منهن: يَا حبيبي ما أبطأك عَلَيْنَا؟ فأجبتها بأن قُلْتُ:
يا حبيبة ما زال الله عَزَّ وَجَلَّ يوقفني على ذنب كَذَا وَكَذَا حَتَّى خشيت أن لا أصل إليكن، فمشين نحوك فِي السندس والحرير، يثرن المسك، وشوقًا وعشقًا لَكَ.
فأول من تقدمت منهن مدت إليك بنانها ومعصمها وخاتمها وضمتك إِلَى نحرها فانثنيت عَلَيْهَا بكفك وساعدك حَتَّى وضعته على قلائدها من حلقها ثُمَّ ضممتها إليك وضمتك إليها.
فتوهم نعيم بدنها لما ضمتك إليها كاد أن يداخل بدنك بدنها من لينه ونعيمه.
فتوهم ما باشر صدرك من حسن نهودها، ولذة معانقتها، ثُمَّ شممت طيب عوارضها، فذهب قلبك من كُلّ شَيْء سواها حَتَّى غرق فِي السرور، وامتلأ فرحًا، لما وصل إِلَى روحك من طيب مسيسها، ولذة روائح عوارضها.
فَلَمَّا استمكنت خفة السرور من قلبك، وعمت لذة الفرح جميع بدنك، وموعد الله عَزَّ وَجَلَّ فِي سرورك، فناديت بالحمد لله الَّذِي صدقك الوعد، وأنجز لَكَ الموعد، ثُمَّ ذكرت طلبك إِلَى ربك إياهن بالدؤوب والتشمير.
فأين أَنْتَ فِي عاقبة ذَلِكَ الْعَمَل الَّذِي استقبلته وأَنْتَ تلتثمهن وتشم عوارضهن: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ}.
اللَّهُمَّ إِنَّا نسألك حياة طيبة، ونفسًا تقية، وعيشة نقية، وميتة سوية ومرادًا غير مخزي ولا فاضح. اللَّهُمَّ اجعلنا من أَهْل الصلاح والنجاح والفلاح، ومن المؤيدين بنصرك وتأييدك ورضاك يَا رب العالمين. اللَّهُمَّ مالك الملك تؤتى الملك من تشاء، وتنْزِع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الْخَيْر إِنَّكَ على كُلّ شَيْء قدير. يَا ودود يَا ذا العرش المجيد يَا مبدئ يَا معيد يَا فعال لما تريد نسألك بنور وجهك الَّذِي ملأ أَرْكَانَ عرشك وبقدرتك التي قدرتَ بها على جميع خلقكَ وبِرَحْمَتِكَ التي وسعت كُلّ شَيْء لا إله إلا أَنْتَ أن تغفر ذنوبنا وسيئاتنا، وأن تبدلها لَنَا بحسنات إِنَّكَ جواد كريم رؤوف رحيم. اللَّهُمَّ افتح لدعائنا باب القبول والإجابة واغفر لَنَا ولوالدينا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
فَصْلٌ: فتوهم صعودها على السرير بعَظِيم بدنها ونعيمه، حَتَّى استوت عَلَيْهِ جالسةً، ثُمَّ ارتقيت على السرير، فاستويت عَلَيْهِ معها، فقابلتك وأَنْتَ مقابلها، فيا حسن منظرك إليها جالسةً فِي حالها وحليها بصباحة وجهها ونعيم جسمها! الأساور فِي معاصمها، والخواتم فِي أَكفها، والخلاخيل فِي أسواقها، والقلائد فِي عنقها، والأكاليل من الدر والياقوت على قصتها وجبينها، والتاج من فوق ذَلِكَ على رأسها، والذوائب من تحت التاج قَدْ حل من مناكبها، وبلغ أردافها، تَرَى وجهك فِي نحرها، وهي تنظر إِلَى وجهها فِي نحرك.
وقَدْ تدلت الأشجار بثمارها من جوانب حجلتك، واطردت الأنهار حول قصرك، واستعلى الجداول على خيمتك بالخمر والعسل واللبن والسلسبيل.
وقَدْ كمل حسنك وحسنها، وأَنْتَ لابس الحرير والسندس، وأساور الذهب واللؤلؤ على كُلّ مفصل من مفاصلك، وتاج الدر والياقوت منتصف فوق رأسك، وأكاليل الدر مفصصة بالنور على جبينك.
وقَدْ أضاءت الْجَنَّة وَجَمِيع قصورك من إشراق بدنك ونور وجهك، وأَنْتَ تعاين من صفاء قصورك جميع أزواجك وَجَمِيع أبنية مقاصيرك.
وقَدْ تدلت عليك ثمار أشجارك واطردت أنهارك من الخمر واللبن من تحتك، والماء والعسل من فوقك، وأَنْتَ جالس مَعَ زوجتك على أريكتك، وقَدْ فتحت مصاريع أبوابك، وأرخيت عَلَيْكَ حجال خيميتك، وحفف الخدام والودان بقبتك، وسمعت زجلهم بالتقديس لربك عَزَّ وَجَلَّ.
وأَنْتَ وزوجك بأكمل الهيئة وأتم النَّعِيم، وقَدْ حار فيها طرفك تنظر إليها متعجبًا من جمالها وكمالها، طرب قلبك بملاحتها، وأنس قلبك بها من حسنها، فهي منادمة لَكَ على أريكتك، تنازعك وتعاطيك الخمر والسلسبيل والتسنيم فِي كأسات الدر وأكاويب قوارير الفضة.
فتوهم الكأس من الياقوت والدر فِي بنانها، وقَدْ قربت إليك ضاحكة بحسن ثغرها، فسطع نور بنانها فِي الشراب، مَعَ نور وجهها ونحرها، ونور الجنان، ونور وجهك وأَنْتَ مقابلها، واجتمَعَ فِي الكأس الَّذِي فِي بنانها نور الكأس، ونور الشراب ونور وجهها ونور نحرها، ونور ثغرها. انتهى بتصرف.
وقَالَ ابن القيم:
فَاسْمَعْ صَفَاتِ عَرَائِسَ الْجَنَّاتِ ثُمَّ ** اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا أَخَا الْعِرْفَانِ

حُورٌ حِسَانٌ قَدْ كَمَلْنَ خَلائِقًا ** وَمَحَاسِنًا مِنْ أَجْمَلِ النِّسْوَانِ

حَتَّى يُحَارُ الطَّرْفُ فِي الْحُسْنِ الَّذِي ** قَدْ ألْبَسَتْ فَالطَّرْفُ كَالْحَيْرَانِ

وَيَقُولُ لَمَّا أَنْ يُشَاهِدَ حُسْنَهَا ** سُبْحَانَ مُعْطِي الْحُسْن وَالإِحْسَانِ

وَالطَّرْفُ يَشْرَبُ مِنْ كُؤوس جَمَالِهَا ** فَتَرَاهُ مِثْلَ الشَّارِبِ النّشْوَانِ

كَمُلَتْ خَلائِقُهَا وَأَكْمَلَ حُسْنُهَا ** كَالْبَدْرِ لَيلَ السَّتِ بَعْدَ ثَمَانِ

وَالشَّمْسُ تَجْرِي فِي مَحَاسِنِ وَجْهِهَا ** والليلُ تَحتَ ذَوائِبِ الأَغْصَانِ

فَتَرَاهُ يَعْجَبُ وَهُوَ مَوْضِعُ ذَاكَ مِن ** لَيلِ وَشَمْسٍ كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ

فَيَقُولُ سُبْحَانَ الَّذِي ذَا صُنْعَه ** سُبْحَانَ مُتْقِنِ صَنْعَةَ الإِنْسانِ

وَكلاهُمَا مِرْآةُ صَاحِبِه إِذَا ** مَا شَاءَ يُبْصِر وَجْهَهُ يَرَيَانِ

فَتَرَى مَحَاسِنَ وَجْهِهِ فِي وَجْهِهَا ** وَيَرَى مَحَاسِنِهَا بِهِ بَعَيْنَانِ

حُمْر الْخُدُودِ ثُغُورُهُنَّ لآلِئٌ ** سُودُ الْعُيُونِ فَوَاتِرُ الأَجْفَانِ

وَالْبَدْرُ يَبْدُو حِينَ يَبْسُمُ ثَغْرُهَا ** فَيُضِئُ سَقْفُ الْقَصْر بِالْجُدْرَانِ

وَلَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ بَرْقًا سَاطِعًا ** يَبْدُو فَيَسْألُ عَنْهُ مَن بِجِنَان

فَيُقَالَ هَذَا ضَوْءُ ثَغْرٍ ضَاحِكٍ ** فِي الْجَنَّةِ الْعُلَيا كَمَا تَريَانِ

للهِ لاثِمْ ذَلِكَ الثَّغْرِ الَّذِي ** فِي لَثْمِةِ إِدْرَاك كُلّ أَمَانِ

رَيَّانَة الأَعْطَافِ مِنْ مَاءِ الشَّبَا ** ب فَغِصْنَهَا بِالْمَاءِ ذُو جَرَيَانِ

لَمَّا جَرَى مَاءُ الشَّبَابِ بِغِصْنِهَا ** حَمَلَ الثِّمَارَ كَثِيرَةَ الأَلْوَانِ

فَالْوَرْدُ وَالتُّفْاحُ وَالرُّمَّانُ فِي ** غِصْنِ تَعَالَى غَارِسِ الْبُسْتَانِ

والَقَدْ مَنْهَا كَالْقَضِيبِ اللدِنْ فِي ** حُسْنِ الْقَوامِ كَأَوْسَط الْقُضْبَان

إِلَى أن قَالَ رَحِمَهُ اللهُ:
وَإِذَا بَدَتْ فِي حُلَّةٍ من لُبْسِهَا ** وَتَمَايَلَتْ كَتَمَايُلِ النَّشْوَانِ

تَهْتَزُ كَالْغِصْنِ الرَّطِيبِ وَحِمْلُه ** وَرْدٌ وَتُفْاحٌ عَلَى رُمَّانِ

وَتَبَخْتَرَتْ فِي مَشْيَهَا وَيَحِقُّ ذَا ** كَ لِمِثْلِهَا فِي جَنْةِ الْحَيَوَان

وَوَصَائِفٌ مِن خَلْفِها وَأَمَامِها ** وَعَلَى شَمَائِلِهَا وَعَنْ إِيمَانِ

كَالبَدْرِ لَيلَة تِمِّهِ قَدْ حُفَّ فِي ** غَسّقِ الدُّجَى بِكَوَاكِبِ الْمِيزَانِ

فَلِسَانُهُ وَفُؤَادُهُ وَالطَّرف فِي ** دَهْشٌ وَإِعْجَابٍ وَفِي سُبْحَانِ

فالْقَلْبُ قَبْلَ زَفَافِهَا فِي عُرْسِهِ ** وَالْعُرْسُ إِثْر العُرْسِ مُتَّصِلانِ

حَتَّى إِذَا مَا وَاجَهَتْهُ تَقَابَلا ** أرأيْتَ إِذ يَتَقَابَل الْقَمَرَانِ

فَسَلِ الْمُتَيَّمَ أَيْنَ خَلَّفَ صَبْرَهُ ** فِي أَيِّ وَادٍ أَمْ بَأَي مَكَانَ

وَسَلِ الْمُتَيَّم كَيْفَ حَالَتُهُ وَقَدْ ** مُلِئَتْ لَهُ الأُذُنَانِ وَالعَيْنَانِ

مِن مَنْطِقٍ رَقَّتْ حَوَاشِيهِ وَوَجْـ ** ــه كَمْ بِهِ لِلشمْس مِن جَرَيَانِ

وَسَلِ الْمُتَيَّمَ كَيَفَ عِيشَتُهُ إِذَا ** وَهُمَا عَلى فُرَشَيْهِمَا خَلَوَان

يَتَسَاقَطَانِ لَئِآلئا مَنْثُورة ** مِن بَيْنِ مَنْظُومٍ كَنَظْمِ جُمانِ

وَسَلِ الْمُتَيَّمَ كَيَفَ مَجْلِسُه مَعَ الْـ ** مَحْبُوبِ فِي رَوْحٍ وَفِي رَيْحَانِ

وَتَدُورُ كَاسَات الرَّحِيقِ عَلَيْهِمَا ** بِأَكُفٍ أقمارٍ من الْولْدَانِ

يَتَنَازَعَانِ الكَأْسَ هَذَا مَرَّة ** وَالْخُودُ أُخرَى ثُمَّ يَتَكِئَان

فَيَضُمُّهَا وَتَضُمُّهُ أَرَأيْتَ مَعْـ ** ــشُوقَيْنِ بَعدَ البُعْدِ يَلْتقِيانِ

غَابَ الرَّقِيبُ وَغَابَ كُلُّ مُنَكَّدٍ ** وَهُمَا بثَوْبِ الوَصْلِ مُشْتَمِلانِ

أَتَرَاهُمَا ضَجِرَيْنِ مِنَ ذَا الْعَيْشِ لا ** وَحَياةِ رَبِّكَ مَا هُمَا ضَجِرَانِ

وَيَزِيدُ كُلّ مِنْهُمْ حُبًّا لِصَا ** حِبِهِ جَدِيدًا سَائِرَ الأَزْمَانِ

وَوِصَالُهُ يَكْسُوهُ حُبًا بَعْدَهُ ** مُتَسَلْسَلاً لا يَنْتَهِي بِزَمَانٍ

فَالْوَصُلُ مَحْفُوفٌ بِحُبٍ سَابِقٌ ** وَبِلاحِقِ وَكِلاهُمَا صِنْوَانِ

فَرْقٌ لَطِيفٌ بَيْنَ ذَاكَ وَبَيْنَ ذَا ** يَدْرِيْهِ ذُو شُغْلٍ بِهَذَا الشَّانِ

وَمَزِيدُهُم فِي كُلّ وَقْتٍ حَاصِلٌ ** سُبْحَانَ ذِي الْمَلَكُوتِ وَالسُّلْطَانِ

يَا غَافِلاً عَمَّا خُلِقْتَ لَهُ انْتَبِهْ ** جَدَّ الرَّحِيل وَلَسْتَ بِالْيَقْظَانِ

سَارَ الرِّفَاقُ وَخَلَّفُوكَ مَعَ الأولى ** قَنَعُوا بِذَا الْحَظِّ الْخَسِيسِ الْفَانِ

وَرَأَيْت أَكْثَرَ مَنْ تَرَى مُتَخَلِّفًا ** فَتَبَعْهُم فَرَضِيتَ بِالْحِرْمَانِ

لَكنْ أَتَيْتَ بِخُطَّتِي عَجْزٍ وَجَهْـ ** ــلٍ بَعْدَ ذَا وَصَحِبْتَ كُلَّ أَمَانِ

مَنَّتْكَ نَفْسُكَ بِالْحُوقِ مَعَ الْقُعُودِ ** عَنْ الْمَسِيرِ وَرَاحَةِ الأَبْدَانِ

وَلَسَوْفَ تَعْلَمُ حِينَ يَنْكَشِفُ الْغَطَا ** مَاذَا صَنَعْتَ وَكُنْتَ ذَا إمكَان

وقَالَ ابن القيم رحمه الله:
فَيَا سَاهِيًا فِي غَمْرَةِ الْجَهْلِ وَالْهَوَى ** صَرِيعَ الأَمَانِي عَنْ قَرِيبٍ سَتَنْدَمُ

أَفِقْ قَدْ دَنَى الوَقْتُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ ** سِوَى جَنَّةٍ أَوْ حَرَّ نَارٍ تَضَرَّمُ

وَبِالسُنَّةِ الْغَرَاءِ كُنْ مَتَمَسِّكًا ** هِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى الَّتِي لَيْسَ تُفْصَمُ

تَمَسَّكَ بِهَا مَسْكَ الْبَخِيلِ بِمَالِهِ ** وَعَضَّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ تَسْلَمُ

وَدَعْ عَنْكَ مَا قَدْ أَحْدَثَ النَّاسُ بَعْدَهَا ** فَمُرَتِّعُ هَاتِيكَ الْحَوَادِثِ أَوْخَمُ

وَهَيء جَوَابًا عِنْدَمَا تَسْمَعُ النِّدَا ** مِنِ اللهِ يَوْمَ الْعَرْضِ مَاذَا أَجَبْتُمُ

بِهِ رُسُلِي لَمَّا أَتَوْكَمْ فَمَنْ يَكُن ** أَجَابَ سوَاهُمْ سَوْفَ يُجْزَى وَيَنْدَمُ

وَخُذْ مِنْ تُقَى الرَّحْمَنِ أَعْظَمَ جُنَّةٍ ** لِيَوْمِ بِه تَبْدُو عِيَانًا جَهَنَّمُ

وَيَنْصِبُ ذَاكَ الْجِسْرِ مِنْ فَوْقِ مَتْنِهَا ** فَهَاوٍ وَمَخْدُوشٌ وَنَاجٍ مُسْلِمُ

وَيَأْتِى اللهُ الْعَالَمِينَ لِوَعْدِهِ ** فَيَفْصِلُ مَا بَيْنَ الْعِبَادِ وَيَحْكُمُ

وَيَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ رَبُّكَ حَقّهُ ** فَيَا بُؤْسَ عَبْدٍ لِلْخَلائِقِ يَظْلِمُ

وَيَنْشُر دَيوَانُ الْحِسَابِ وَتُوْضَعُ الْـ ** ـمَوَازِينُ بِالْقِسْطِ الَّذِي لَيْسَ يَظْلِمُ

فَلا مُجْرِمٌ يَخْشَى ظَلامَةَ ذَرَّةٍ ** وَلا مُحْسِنٌ مِن أَجْرِهِ ذَاكَ يُهْضَمُ

وَيَشْهَدُ أَعْضَاءُ الْمُسِيئ بِمَا جَنَى ** كَذَاكَ عَلَى فِيهِ الْمُهيْمِنِ يَخْتِمُ

فَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ حَالُكَ عِنْدَمَا ** تَطَايَرُ كُتُبُ الْعَالَمِينَ وَتُقْسِمُ

أَتَأْخُذُ بِالْيُمْنَى كِتَابَكَ أَمْ تَكُنْ ** بِالأُخْرَى وَرَاءَ الظَّهْرِ مِنْكَ تَسَلَّمُ

وَتَقْرَأُ فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ عَمِلْتَهُ ** فَيُشْرِقُ مِنْكَ الْوَجْهُ أَوْ هُوَ يُظْلِمُ

تَقُولُ كِتَابِي فَأْقَرُؤهُ فَإِنَّهُ ** يُبَشِّرُ بِالْفَوْزِ الْعَظِيمِ وَيُعْلِمُ

وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى فَإِنَّكَ قَائِلٌ ** أَلا لَيْتَنِي لَمْ أُوْتَهُ فَهُو مُغْرَمُ

فَبَادِرْ إِذَا مَادَامَ فِي الْعُمْرِ فُسْحَةً ** وَعَدْلُكَ مَقْبُولٌ وَصَرْفُكَ قَيِّمُ

وَجُدَّ وَسَارِعْ وَاغْتَنِمْ زَمَنَ الصِّبَا ** فَفِي زَمَنِ الإِمْكَانِ تَسْعَى وَتَغْنَمُ

وَسِرْ مُسْرِعًا فَالْمَوْت خَلْفُكَ مُسْرِعًا ** وَهَيْهَاتَ مَا مِنْهُ مَفَرٌّ وَمَهْزَمُ

اللَّهُمَّ ألهمنا القيام بحقك، وبارك لَنَا فِي الحلال من رزقك، ولا تفضحنا بين خلقك، يَا خَيْر من دعاه داع وأفضل من رجاه راج، يَا قاضى الحاجات ومجيب الدعوات هب لَنَا ما سألناه وحقق رجاءنا فيما تمنيناه وأمّلناه يَا من يملك حوائج السائلين ويعلم ما فِي ضمائر الصامتين، أذقنا برد عفوك، وحلاوة مغفرتك، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وصلى الله على مُحَمَّد وَعَلَى آلِه وصحبه أجمعين.